أنباء المغرب
ذ. بدرالدين الحكيك / مدير دار الجمعيات درسة تطوان
إن الحديث عن الأخلاق في مسارها التاريخي الفلسفي، نجدها تبحث في نظرية السلوك الفردي التي تعطي لنا تحديدا نسبيا لسلوك الفرد داخل الجماعة، فعند عودتنا إلى المرحلة اليونانية الكلاسيكية، نجد بأن أفلاطون قد أسهب كثيرا في وضع مجموعة من الفضائل التي على الفرد أن يلتزم بها داخل مشروعه المتجلي في المدينة الفاضلة، والتي تستمد تشريعاتها من الخير بالذات، باعتباره الصانع الذي قام بإخراج المصنوعات، وكذا الوجود من العدم إلى الوجود.
أما بالنسبة لأرسطو، فنجده يقدم لنا الأخلاق على شكل فضيلة تتميز بالاعتدال ، أي لا إفراط ولا تفريط، هذا بالنسبة لأبرز النظريات في العصر الكلاسيكي، ولكي لا نطيل، سننتقل مباشرة في مسار صراع الفرد من أجل تحقيق حريته وكرامته وكينونته إلى المرحلة التي يعتقد أن هذه القيم السامية قد تحققت فيه، ألا وهي مرحلة إصدار هذه الاخلاق على شكل حقوق تتضمن هذه الامتيازات كمنظومة حقوقية أطلق عليها اسم حقوق الإنسان.
لكن من بين الأسئلة التي طرحت بإلحاح، خصوصا مع الثالوث الثوري في القرن 19 والعقود الأولى من القرن 20 :
هل فعلا تحققت كرامة وحرية الإنسان بإصدار هذا الإعلان أم أنها مجرد وسائل تبتغي أهداف أخرى منافية لهذه القيم ؟
وفي إطار الإجابة عن هذا الإشكال ، نجد الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه يجيبنا بالقول "أن الأخلاق أصبحت تحمل قيمة مضادة، والأخلاق للضعفاء"، كما أنها لا تعكس بالنسبة لكارل ماركس سوى "مجرد إيديولوجية تعكس علاقة الصراع القائم ما بين الطبقتين المتناحرتين داخل المنظومة الليبرالية الرأسمالية". أما بالنسبة لرائد التحليل النفسي سيغموند فرويد فهي لا تعكس سوى "مجموعة من السلوكات لها دوافع غريزية محضة".
ومن خلال تحليلنا للأوضاع الراهنة، نجد بأن العالم يتخبط في مأساة قد تصيب كل الإنسانية، وهذه المأساة تتشكل من أخطار بنيوية قد تؤدي إلى الدمار على كل المستويات، ومن بين هذه المخاطر نجد بالأساس الصراع السياسي والاقتصادي بين الدول النووية، وكذا مشكل الاحتباس الحراري، انتشار المجاعة، حدة الفقر، البطالة ...
ولعه من حقنا في متن هذا الخضم أن نتساءل : أو لسنا في حاجة إلى أخلاق سامية قد تنقذنا من هذه المأساة؟ أو لسنا كذلك في حاجة ماسة إلى مساعدين/ات اجتماعيين/ات ينظمهم ميثاق أخلاقي يعكس أخلاقيات العمل الجمعوي باعتبارهم المعبرين الأساسيين عن حاجيات المجتمع المدني؟ وما الدور الذي يجب على الأخلاق أن تلعبه في العمل الجمعوي؟
في إطار الإجابة على هذا الإشكال، نجد الفلاسفة قسموا الأخلاق إلى معنيين هما:moral ثم ehigue، فالأخلاق بمعناها الأول تعني النظام الذي بفضله يتم التمييز ما بين الخير والشر، وهو نظام له ارتباط بالقوانين والمعايير والأوامر، أما المعنى الثاني هو يدل على التساؤلات التي تسبق فكرة تقديم القانون الأخلاقي.
وباعتبار أن الأزمة السابقة الذكر أدت في العالم بأسره إلى إعادة النظر في دور الدولة وتنمية التنظيمات التناوبية، وأن ظهور المجتمع المدني هو الذي يعبر ويتحرك في اتجاه الإجابة على الحاجيات الاجتماعية المتعددة للمواطن، حيث أن المجتمع المدني (قلما تم تحديده تحديدا دقيقا) يجمع التنظيمات التي لا تنتمي إلى المؤسسات العمومية، وحسب تعريف الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (إن قلب المجتمع المدني تشكل من نسيج جمعوي يمارس في إطار الفضاء العمومي المنظم للمناقشات التي تعرض من أجل إيجاد حل للمشاكل البارزة المتعلقة بقضايا المصلحة العامة).
فالحراك الجمعوي إذن هو تعبير للمجتمع الذي لا ينتظر كل شيء من الدولة بشكل سلبي، لأن المجتمع المدني لا يترك السياسات تحدد له مصيره وتوجهاته الأساسية، فهو ينظم ذاته بشكل تلقائي، كما أنه يمثل انتظارات هذا المجتمع، ومن بين الأدوار التي يلعبها هذا الحراك هو التعبير وبناء مطالب اجتماعية، الشيء الذي أصبح يتطلب بالضرورة التفكير في الأخلاق الجمعوية.
ومن خلال كل ما سبق، نجد بأن القسم الذي يهمنا من الأخلاق هنا هو قسمehigue ، لأنه فقط يستجيب للقواعد الأخلاقية المقبولة، بل أيضا يستجيب لتفكير ولتعلم الشخص لهذه القواعد الأخلاقية المقبولة، بل كذلك يستجيب لتفكير ولتعلم شخص لهذه القواعد، كما يعبر بشكل ضمني عن التفكير في ما هو مقبول أولا : نسبة للتسامحات الاجتماعية، وكذا تبعا للمطلب الدائم المتمثل في البحث الشخصي عن الخير، حيث أن هذه الأخلاق يجب أن تكون متضمنة عند تأسيس أي جمعية بالأساس، في إعادة النظام الأساسي على شكل قواعد موجهة للحياة الجمعوية، آخذين بعين الاعتبار المعايير القانونية المنظمة للقانون الأساسي للجمعيات ، كما أن على هذه الحياة المضي في اتجاه أبعد.
فمن خلال قراءة ظهير 15 نونبر 1958م المنظم لقانون الجمعيات بالمغرب، ورغم أن القانون الداخلي ليس إلزاميا، إلا أنه يكشف عن تكميلات وإضافات مهمة للأنظمة الأساسية، فكل الأنشطة لكي تكون فعالة يجب أن تتفادى الاضطراب والفوضى، فنوعية الأنظمة الأساسية والقواعد التي تتبناها الجمعية من أجل سيرها العادي الجيد ستكون شرطا للفعالية والشفافية في الأنشطة التي ستنتجها، والأعضاء الفاعلين الساهرين على إنجازها، ونفس الشيء ينطبق على السبب وراء تأسيس الجمعية وأهدافها وغاياتها، فكل هذا يجب أن يحدد بشكل دقيق وواضح وذلك ضمانا لأخلاق العمل الجمعوي.
كما أن الجمعية هي إمكانية استخدام مشروع موحد بشكل جماعي، لكن شريطة أن يتمكن كل واحد أن يعبر عن انتظاراته الشخصية والهدف المشترك للجمعية، والذي من المستبعد أن يتم بدون مشاكل، حيث نجد مجموعة من المخاطر التي تترصد الجمعيات تكمن في نوع الانتظارات التي تكون موجودة عند الأعضاء المختلفين المشكلين للجمعية، بيد أن الجمعيات التي تنكشف بصفة عامة ضمن الأكثر حركية ودينامية وإبداع، هي الجمعيات التي تستثمر المحركين المعنيين، والتي يكون فيها المشروع غير مختزل لفعل محدد سلفا، بل يكون هو موضوع البحث والنقاش الدائم بين مختلف الفاعلين، لأن فعالية انسجام الحياة وفعل الجمعية يتطلب التقاء عقلانية الفعل المباشر وذاتية الأفراد الذين ينتمون إليه، وكذلك نجد أن العلاقات بين الجمعيات والمال لا تكون دائما بدون أن تطرح مشاكل، كما أن الجمعيات مطالبة أيضا بتسيير الموارد البشرية.
ونجد بالجمعيات العديد من المتدخلين، فمن جهة، من المهم تحديد دور كل واحد داخل الجمعية، ومن جهة ثانية السهر على أن يأخذ كل واحد دوره الخاص، وتوزيع الأعمال يكون منظما بواسطة القوانين الأساسية والداخلية المحددة التي تكون المحدد الأساسي للنشاط الاجتماعي.
وفي الختام، وبدون استفاء الموضوع، لا يمكننا إلا أن نشير إلى التيقظ الذي يجب أن يتحلى به العالم الجمعوي، حتى يشتغل حسب المبادئ التي يجب أن تحترم، وذلك عن طريق إعداد ميثاق تأديبات جمعوية مدققة لقواعد حسن التسيير والشفافية، أو بصيغة مختصرة أخلاقيات العمل الجمعوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق