يعتبر العمل الجمعوي ميدانا لتحقيق الطموحات في التغيير الاجتماعي، ومكونا أساسيا من مكونات المجتمع المدني، ومجالا يمكن من خلاله تعلم وممارسة الديموقراطية، من خلال الانخراط في التعددية داخل المجتمع، الأمر الذي يعلمنا قبول التعددية وقبول الآخر بكل خصوصياته ومواصفاته، وبفضله يمكن اكتساب التجربة والمبادئ في الحياة، وفيه يتجرد الشباب من الحالات النفسية المرضية كالخجل والإنطواء على الذات، وكذا تعلم مجموعة من المهارات في الحياة وطرق الإندماج في المجتمع وحل المشاكل ومواجهة الصعوبات التي تعترض حياتهم.والعمل الجمعوي شكل من أشكال العمل العام الموجه لفئات الجماهير الواسع وذلك حسب الهدف والمجال الذي حدد لهذا العمل ومنه نستخرج كلمة جمعية، التي عرفها الفصل الأول من قانون الحريات العامة بكونها “اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم”.
مفهوم مصطلح المجتمع المدني: من أجل تتبع التأريخ والرصد المنهجي وكذلك الأبستمولوجي لمفهوم المجتمع المدني، إنما هو محاولة معرفية بغية فرز الحيثيات التي واكبت تاريخ وتجربة المفهوم نظريا وسوسيولوجيا.
فلا وجود لرجل دولة أو دين إلا وإستخدم أو إستغل هذا المفهوم البريئ، بل إن فئات عريضة من قطاعات المجتمع تتنافس من أجل السعي للحصول على صفة العضوية في تنظيمات المجتمع المدني، على إعتبار أن هذه الصفة تعتبر في حد ذاتها مصدرا من مصادر الشرعية، شرعية وجودية، وكذلك شرعية حداثية، إذ أصبحت الجمعيات على سبيل المثال تستقطب كفاءات وشرائح مختلفة من المجتمع، التي بدأت تعزف على وتر العمل السياسي في الأصل.
كيف يمكن تأويل هذا الصعود المدوي للمجتمع حجما وكذلك مطلبيا؟ ألا يعني هذا الصعود تأثيرا لأهمية الدولة نفسها، وليس المجتمع المدني كما نتوهم؟ ألا يمكن تفسير ذلك بوعي الدولة بمدى أهمية إقتسام بعض وظائفها، من أجل أن تتفرغ هي وحدها منفردة لما قد يعتبر أكثر أهمية، أي للسياسة والإستراتيجيا؟ ألا يمكن أن يكون المجتمع المدني بذلك هيئة وظيفية، وليس مؤسسة لمحاسبة الدولة وكذا مراقبتها كما يعتقد؟
ألا يعتبر إستعمال المفهوم نفسه عن هذا الإلتباس في ما نسميه تارة المجتمع المدني، وتارة أخرى منظمات غير حكومية؟ ولماذا بالضبط “غير حكومية”، مع العلم أن هذه الهيئات تتحمل أعباء النهوض بمهام هي في الأصل مهام دولة؟
إذن ماهي رؤية الدولة أو منظورها لدور القطاع الجمعوي في التنمية وما هي وظيفتها؟
إنطلاقا من هذا المنظور فالمجتمع المدني ليس إضعافا للدولة، كما قد نفهم أو نتوهم، وإنما هو حاجة ماسة لقوة الدولة، إن كان العمل الجمعوي يمارس وفق أهداف واضحة ومعلنة بعيدا عن خدمة أهداف غير معلنة غالبا ما تكون شخصية، ولذلك فالدولة المعاصرة إذا لم يكن بجانبها مجتمع مدني فإنها سوف توجده عن طريق وسائلها وكذا طرقها المباشرة وغير المباشرة، على إعتبار أنها تعي حيوية العمل الجمعوي من أجل ديمومتها، لذلك فإن الدولة بحاجة إلى مجتمع مدني، ليس كمجال تمارس فيه سلطتها وإنما كآلية من الآليات الضرورية المستعملة من أجل المحافظة على هذه السلطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق